نقف عاجزين أمام فكر بن لادن. ولكن نقف شامخين أمامه بقيمنا. لنأمل أن تبقى هذه القيم التي وقفت أمام الغزاة على مر التاريخ و أن يأتي من يشد من أزر هذه القيم.
بن لادن لا يعادينا من فراغ. فهو يتهم قياداتنا بأنها أتت بالنصارى الذين دنسوا الأراضي المقدسة للمسلمين. عندما قبلنا بالوجود العسكري الأمريكي على الجزيرة العربية. بن لادن يتهمنا بأننا خذلنا إخوتنا بالإسلام عندما وقفنا مع الأمريكان بحربهم ضد إرهاب بن لادن و حركة طالبان. و كذلك يتهمنا بأننا نسينا القدس أولى القبلتين و الفلسطينين إخواننا بالإسلام. لذلك يرى بن لادن بأن دول الجزيرة العربية الحالية يجب أن تزال من الخريطة السياسية. و أقنع بذلك بعض الكويتين.
ولكن هذا افتراء و غير صحيح إطلاقا. فنحن أبعد ما نكون من اتهاماته لنا. اتهاماته لنا نبعت من جهل بن لادن و أتباعه. ولكن عندما نراقب ردود الفعل لما حدث بجزيرة فيلكا نجد أننا شعبا و حكومة نقف عاجزين عن الرد و إقناع أبنائنا لحفظ عقولهم من هذا الغزو الفكري.
لو بدأنا بردة الفعل الشعبي لوجدناها تقوم على أسس قديمة لا تقنع الشباب. فعندما جمع الكنادرة النائب السابق محمد حبيب الكندري شجبوا الأعمال التي قام بها أنس على أساس انها لا تتفق مع المصلحة العامة و وحدة أسرة الكويت. ولكن لم تتم الإجابة على الطروحات التي جعلت هؤلاء الفتية يقاتلون من أتى لنصرتنا. لم يردوا على طروحات بن لادن و أتباعة. لقد عرفت محمد حبيب عن قرب، و هو من خيرة الرجال لا غبار على شخصيته أو وطنيته إطلاقا. ولكن بو حبيب من الجيل القديم الغير قادر على الرد على الفكر الجديد.
الحكومة ممثلة بالشيخ صباح الأحمد تحركت، و هذا شيء تشكر عليه. ولكن كذلك تحركها يعكس الفكر القديم الغير قادر على الرد على هؤلاء الفتية. فالشيخ صباح نادى التجمعات السياسية المختلفة بالبلاد. ولكن هذه التجمعات غير قادرة على الرد على بن لادن و أتباعه. فمنهم من هو عاجز فكريا مثل التجمع الديموقراطي. و منهم من ليس له دخل بالموضوع مثل الأخوة من المذهب الشيعي، فالخلاف يقع من ضمن المذهب السني. أما التجمعات الاسلامية السنية التي ناداها فتقف عاجزة امام استغلال فكر بن لادن لها. و خير دليل الاموال التي كانت تحول و الموظفين الذين كانوا من تنظيم القاعدة. بل للأسف تحول النقاش الى مصالح ضيقة عندما طالبوا بجريدة يومية، و لنحمد الله لم يتحولوا الى مناقصات وزارة الدفاع التي يتميز بها اقطابهم على الغير.
وزارة الاعلام قامت بجهد تشكر عليه عندما نادت الدكاترة عجيل النشمي و خالد المذكور و غيرهم للتحدث. ولكن وزارة الاعلام تشكو من التخلف المهني و الفكري. فمنذ الثمانينات و هي و كوادرها مهملين. لم يتطوروا مع الوسائل الحديثة. فعندما نرجع الى حديث أيا من السادة الأفاضل نجده أحادي أي أنه لم تكن هناك أسئلة و أجوبة. و للأسف حتى الأسئلة التي تسأل تكون مرتبة مسبقا. هذا النمط لن يحاور الجمهور و لن يغير رأيه. كيف نغير رأيا لا نعرفه أخفته البيروقراطية عنا؟
دولة الكويت أكثر دول المنطقة مؤهلة للرد على فكر بن لادن و أتباعه. فبالكويت نظام شفاف، مسئول أمام الشعب و حرية الرأي مكفولة. حبذا لو رد الشيخ صباح على الاتهامات الباطلة التي تكال لنا. ولكن المشكلة تكمن في من هو القادر على تحضير رد الشيخ صباح؟ شخصيا لا أري أحدا. حبذا لو فتحت خطوط الهواتف اثناء حديث عجيل النشمي أو خالد المذكور لنسمع رأي شبابنا الذي شوه فكره بن لادن و أتباعه. لو تم ذلك لسمعنا رد يصحح فكر شبابنا المغرر بهم و يزيد الحجج لدى المستمعين.
و تبقى قيمنا قوية أمام هذا الغزو الفكري كما كانت قوية أمام الغزو العسكري عندما غدرنا النذل صدام. فعندما طالب المشوه فكريا جابر الجلاهمة المعزين عدم الصلاة على أبنائهم سفهوه و فكره و أقاموا الصلاة. و عندما يستل الليل سيذرف الأب المكلول دمعة المحبة على ابنه المتوفي. و سيأتي طفلا صغيرا ليسئل أباه عن هذه الدموع الصادقة. عندئذ ستطلع الكلمات من قلب خاشع صادق. و سيروي الوالد لولده قصة الكويت و قيمها. أناس صدقوا مع أنفسهم و من خلال فكرهم و مبادئهم البنائة بنوا هذه الأرض من لا شيء.
أين رجال اليوم؟ أين هم من قيمنا الشامخة؟
بقلم : علي جابر العلي
الكويت 20/10/2002