الكويت كمركز عالمي

الحديث عن الكويت كمركز عالمي للمال و التجارة.. الخ، موضوع يتطرق له الجميع. حديث يتطرق لقشور هذه المراكز و ليس لبها. ﻷنه لو نظرنا إلى الواقع الحالي للكويت لوجدنا بأنها ﻻ تصلح ﻷي مركز دولي. لن أطيل بالحديث و سوف أنتقل إلى فكرة الصديق العزيز الذي هو بمثابة اﻻخ الدكتور عبدالمجيد صفر من جامعة الكويت.
الدكتور عبدالمجيد صفر مواطن وفي بار. كان مولع بأميره المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح. و أراد إبقاء ذكراه من خلال تأسيس مركز جابر اﻻحمد للجينات الوراثية و التكنولوجيا الوراثية. مركز ﻻ يوجد مثله بالعالم من إسرائيل إلى سنغافورة. يعني يغطي مساحة كبيرة من الكرة اﻻرضية. من خلاله ستكون الكويت رائدة المنطقة بهذه العلوم الحديثة.
و بعد وفاة المرحوم الشيخ جابر تطور اﻻمر بالنسبة للدكتور مجيد إلى ما هو أكثر من مركز للبحث العلمي. كان يرى به العطاء الشخصي لرد جمائل المغفور له على أهل الكويت. كانت تغرورق عيناه عندما يتكلم عن هذا المشروع. كان يتذكر اللقاءات مع المرحوم الشيخ جابر. و يتحمس أكثر ﻷن المركز سيكون مركز جابر. و كان يسند إلي الحديث لصداقتي معه و صلتي بالمرحوم. كنت انظر إليه متألما ساكتا و أقول لنفسي “يا مجيد أنت عالم بالعلوم فقط ولكن الكويت لن تنشئ مثل هذا المشروع متكاملا” حتى ﻻ أجرح مشاعره.
لنجاح هذا المشروع يجب ان تتوفر له القناعة و الإسناد من المجتمع الكويتي. يجب ان تكون معداته اﻷكثر كفاءة و أقل تكلفة بالعالم. يجب ان يتقبل المجتمع و يفخر بالعاملين به أن كانوا كويتيين أو من جنسيات أخرى. يجب ان يعيين به اﻷكفاء و ليس اﻷحباء. يعني ﻻ واسطة. مطلب صعب المنال بكويت اليوم أو المستقبل القريب.
حصل الدكتور مجيد على كل التأييد من زملائه بجامعة الكويت. و ثم عرض المشروع على الدكتور رشيد الحمد وزير التربية آنذاك. أعجب الدكتور الحمد بالفكرة و طالب اﻻستعجال بها. ولكن الوزارات بالكويت تتغير بين ليلة و أخرى. لم تكتمل الموافقات و جاء الدكتور عادل الطبطبائي وزيرا للتربية. و كانت وجهة نظره مختلفة. ﻻ تحمل بطياتها صفة اﻻستعجال. فطلب المزيد من الدراسات و علاقة المركز بالمؤسسات البحثية اﻻخرى. و نام المشروع. يعني ﻻ تأييد جدي لمثل هذه المؤسسة العلمية بالكويت. ولكن لنفترض بأن هذا المشروع ستكتب له الحياة، فكيف سيتطور؟
بعد الإنتهاء من صياغة مرسوم هذا المركز ستحوم حوله قوى الظلام. و ستستعمل المكائد الدينية و العرقية حتى ﻻ يكون الدكتور مجيد رئيسا لهذا المركز. ليس كرها به ولكن لكونه شخصا موضوعيا ﻻ يحكم الشللية بعمله. و قصة أحمد دشتي و برجس البرجس في كونا ستتكرر مرة ثانية. سيجد الدكتور مجيد نفسه نائبا لمن هو أقل منه كفاءة. هذا الشخص سأسميه رئيس بالواسطة. يعني فقدنا عنصر الكفاءة بالمركز.
بعد اﻻنتهاء من كل إجراءات هذا المشروع و تخصيص الميزانيات يأتي دور توزيع الخيرات على القطط السمان. رئيس بالواسطة يعرف جيدا من يجب ان يفوز بمناقصات المشروع أن كانت بناء أو معدات بحث علمي. سيعطى البناء لذوى الحظوة و المعدات دون المستوى ستجلب من وكالات المقربين أو الحلفاء السياسيين. قصة أستاد جابر ﻻ تزال حديثه بالذاكرة حيث بلغت اﻷوامر التغيرية أكثر من قيمة المشروع اﻷولية. يعني مركزنا هذا سيكون أغلى المراكز تكلفة و أقلها نوعية.
و من ثم يأتي دور عمالة المركز. رئيس بالواسطة يعي جيدا بأن هذا ليس بحره و يترك المسؤولية للدكتور مجيد. الدكتور مجيد سيجلب أفضل الناس. و لنفترض هذا الشخص من الهند و من الديانة السيخية. كيف سيعيش هذا العالم الدولي السيخي بكويت اليوم؟
أن كان يريد ان يتعبد فلا يوجد معبد له. حاول سيخ الكويت ان يكون لهم معبد في منطقة سلوى ولكن من خلال التعصب الديني و جشع المؤجرين لم يتمكنوا من أقامة معبد لهم. على ما أذكر. يعني على هذا العالم السيخي ان يعيش بالكويت بلا روحانيات.
و عندما يسجل أطفاله بالمدرسة الهندية سيجد بأن المدرسة مكبلة بمواد دراسية أصرت عليها وزارة التربية. المفر الوحيد له من هذه المواد هو ان يرسل أبناءه إلى الهند. يعني سيعيش دون أوﻻده بالكويت.
و اﻻمثلة التي سيواجهها هذا العالم كثيرة، أظن بأن القراء يعرفونها. ولكن السؤال يبقى كيف سيعيش هذا العالم السيخي بالكويت و كيف سيكون عطاءه بالكويت. سيجد بأن عطاءه بدء يتدهور بسبب الظروف اﻻجتماعية التي أملتها عليه الكويت. و حفاظا على مستواه العلمي سيترك البلاد.
خلال كل هذا سييأس الدكتور مجيد و يلقي السلاح. و تخلق فرصة جديدة للرئيس بالواسطة بأن يجلب عمالة يساومها على جزء من راتبها.
بكل بساطة كويت اليوم طاردة و ليس جاذبة للكفاءات المبدعة. و لو رجعنا إلى أبنائنا لوجدنا بأنه لدينا الكثير من الكفاءات ولكنها مهشمة. لن أذكر منها الدكتور عبدالمجيد صفر ﻷنه بمثابة اﻷخ و شهادتي به مجروحة. فهناك الدكتورة أماني بورسلي و هناك حسين بستان و محمد السقا. و لو نظرنا بموضوعية لما حولنا لوجدنا الكثير منهم. لسنا بحاجة إلى مراكز لتخلد ذكرى المغفور له الشيخ جابر. لنفتح المجال لإبداع من درسهم الشيخ جابر. فهؤﻻء من سيرفع أسم الكويت عاليا و أسم أميرها الراحل.
4/7/2007