من المستفيد من إسقاط القروض؟

كنت أظن بأن مطالبة النائب ضيف الله بورمية و من معه لإسقاط الديون أحد مظاهر المرض الهولندي الذي يصيب الدول. ولكن بعد قراءة تقرير محافظ البنك المركزي لمجلس اﻻمة أتضح لي بأن ظني ليس بمحله. فالنائب بورمية سياسي محترف يعرف كيف يلعب اللعبة السياسية المزدوجة. يدغدغ مشاعر الناس و يفيد الجهات المالية المحسوب عليها. ولكن هل البنوك و مجلس اﻻمة و الحكومة يشكون من المرض الهولندي؟
المرض الهولندي هو مرض إقتصادي يصيب الدول التي حبيت بمصدر ثروة طبيعية ذات دخول تفوق جميع الدخول اﻻخرى للدولة. في حال الكويت طبعا هذه الثروة هي النفط. يؤدي هذا المرض إلى تراجع الصناعات اﻻخرى. و من ثم يقتل اﻻجتهاد و الابتكار. و يصبح مواطني هذه الدولة معتمدين كليا على دخل الثروة الطبيعية. و كلما واجهوا مشكلة يذهبون للوزه التي تبيض الذهب. و كنت أظن بأن النائب بورمية يريد أن يستغل الإستدانة السيئة من أجل مصلحته الانتخابية.
ولكن عندما قرأت تقرير محافظ البنك المركزي لمجلس اﻻمة تبين لي عكس ذلك. فالتقرير يبين بوضوح من هو المستفيد من إسقاط الديون. ففي صفحة 9 يبين التقرير بأن غالبية الديون هي للبنوك و شركات استثمار إسلامية، حيث يبلغ رصيدها 683 مليون دينار بينما حصة البنوك و الشركات الاستثمار التقليدية يبلغ 479 مليون دينار. و الصورة تتضح أكثر في صفحة 16 ففوائد و عوائد البنوك التقليدية يبلغ 171 مليون دينار بينما للشركات اﻻسلامية تبلغ 752 مليون دينار. يعني المستفيد هو بيت التمويل الكويتي!
ولكن الصورة ﻻ تنتهي عند هذا الحد. فهناك بنوك ﻻ تدين اﻻ بعد أن تتأكد بأن العميل قادر على السداد. و هذا القانون لن يفيدها لأن مدينيها قادرين على السداد. وهناك من يدين من هب و دب و طبعا ينتهي به اﻻمر بديون غير قادر مدينوها على السداد. و هنا يأتي للذاكرة جدول رأيته منذ ما يقارب الخمس سنوات، جدول قدمه لي اﻻخ فيصل المزيد يبين بأن المساجين بسبب الشيكات بدون رصيد معظمهم من مديني بيت التمويل.
بيت التمويل يواجه منافسة قوية هذه الأيام. فهناك بنك بوبيان، بنك إسلامي ينافس بيت التمويل. و المنافسة اﻻقوى ستأتي من بنك الكويت الدولي، العقاري سابقا. فهذا البنك يقدم خدمات مالية إسلامية حسب المذهب السني و الشيعي. و كلاهما يبدءون من ميزانية ليست مكبلة بديون قديمة.
البنوك الكويتية ﻻ تشكو من المرض الهولندي. فالبعض منها صرح بأن قانون إسقاط المديونية لن يستفيد منه. و دعا باقي البنوك إلى التعاون لإيجاد وسيلة يتم التعامل بها مع الحالات اﻻنسانية.
الحكومة يبدو إنها قد عرفت السبب و ﻻ تريد ان تكشف المخبا. ﻻ تريد أن تعاقب الدائنين على أساليبهم السيئة. فطرحت فكرة الثلاث مائة مليون دينار لمساعدة المدينين ذو الحالات الإنسانية.
مجلس اﻻمة ﻻ شك يشكو من المرض الهولندي. قدم لهم البنك المركزي التقرير و لم يعلق احد منهم على من هو المستفيد!!
و يبقى السؤال هل الكويت تشكو من المرض الهولندي؟ إن كانت تشكو منه فلنذهب إلى حقل برقان الوزة التي تبيض الذهب. و إلا لنجد حلا عادلا يشارك به الدائنين و المدينين و الحكومة التي كانت مسئولة عن رقابتهم.

6/1/2008