احمل الشيخ عبدالله السالم مسؤولية عدم الإستقرار السياسي الذي نعيشه. كان يحلم بأنه و القيادات السياسية وجهان لنفس العملة. كان يرى بأن العيش بالنظام الديموقراطي افضل الخيارات له و للكويت. من اجل ذلك الهدف نهج طرقا بها الحيلة و القسرية. طبعا الاماني لا تتحقق بهذا الاسلوب. و مع الممارسات الديموقراطية صحى عبدالله السالم من حلمة. ولكنه كان قد هرم و لم يعش طويلا ليصحح حلمه. لنصححه نحن.
عبدالله السالم كان يرى بان الدول التي تنهج النظام الديموقراطي اقدر من الدول التي تنهج نظام الوصاية الدينية. و خير دليل على ذلك بالنسبة له هو انتصار دول الحلفاء على دولة الخلافة العثمانية. بعد انتصارهم عقد الحلفاء مؤتمر سان ريمو و قرروا ان يكون العراق و الاردن و فلسطين تحت الانتداب البريطاني. و لبنان و سوريا تحت الانتداب الفرنسي. و قررت دول الانتداب ان يكون النظام السياسي لهذه الدول ديموقراطيا.
هناك من يقول بأن عبدالله السالم قرر ان يكون النظام السياسي بالكويت ديموقراطيا على اثر تهديد عبدالكريم قاسم للكويت. و هذا الطرح غير صحيح. فعبدالله السالم كان رجل يعرف العالم و تاريخه. يعي جيدا بأن بعد استقلال الهند من المملكة المتحدة في عام 1949 انتهت حاجة بريطانيا للدول التي تدور في محور الهند مثل الكويت و البحرين و الامارات المتصالحة و جنوب اليمن. اصبحت هذه الدول عبئا على الميزانية البريطانية التي فلستها الحرب العالمية الثانية. و بما ان النظام السياسي الاسلامي قد انتهى مع الخلافة العثمانية لم يبقى إلا الخيار الديموقراطي. يعني عبدالله السالم كان يرى التحول الى النظام الديموقراطي منذ الخمسينات.
و هنا تبدأ اخطأ عبدالله السالم. اذا كنت تعلم بأن النظام الديموقراطي آتي لماذا لم تتحاور مع إخوانك من كبار أسرة الصباح؟ كان هناك من أبناء الصباح من لهم مكانة تقارب مكانة الشيخ عبدالله و ان كانت توجهات البعض منهم مختلفة. لم نسمع ان المرحوم الشيخ عبدالله الاحمد قد استشير حول الديموقراطية. قد تكون لعبدالله الاحمد وجهة نظر مختلفة عن وجهة عبدالله السالم. ولكن اليس من الواجب سماع وجهة نظر من يختلف معك بالرأي؟ فهد السالم و عبدالله المبارك كانوا ذو نظرة تطورية غربية. لم نسمع ان الشيخ عبدالله حاورهم. عدم التحاور حول نقلة سياسية كبيرة مع قيادات آل صباح خطيئة كبرى.
و الخطيئة الثانية هي عدم الإتعاظ من فشل النظم الديموقراطية في العراق و سوريا. سقطت الديموقراطية بهذه الدول قبل ان يقرر الشيخ عبدالله انشاء المجلس التأسيسي. أليس من الواجب ان تجلب المفكرين العرب و تطلب منهم المشورة في التحول الى النظام الديموقراطي؟ ولكن يبدو بأن حلم عبدالله السالم قد شغفه من النظر الى الخيارات المختلفة.
و الخطيئة الثالثة ان عبدالله السالم اتخذ قرار الديموقراطية في أواخر حياته و قد انتابته الامراض. تحول سياسي كبير مثل هذا بحاجة الى قوة جسمانية و استمرارية. كنت تتوخى خيرا بإبن اختك الشيخ جابر الاحمد. لماذا لم تترك له الامر؟ كان شابا مطلعا محبا للكويت و اهلها.
و الخطيئة الرابعة كان الشيخ عبدالله لا يلتفت الى شكوى شباب الاسرة المشاركين بالمجلس التأسيسي. كانوا يشتكون له الحال حول ما يطرح بالمجلس التأسيسي. و كان رده عليهم ” مثل ما لهم لسان لديكم السن، ردوا عليهم “. شكواهم لم تكن عن تعديات شخصية. كانت عن مدى التنازل عن صلاحيات السلطة التنفيذية. مبادئ واجب على امير البلاد ان يلتفت لها و يحدد وجهة نظره بصراحة و وضوح. لا ان يحولها الى امور شخصية.
طبعا حلم عبدالله السالم لم يستمر. أيقظته الاحداث من حلمه. كان ضد عقوبة الاعدام. و اذ بالمجلس يطالب باعدام المجرمين. كان مع فصل الدين عن السياسة. و اذ في عام 1964 يقيم بعض النواب الاذان بالمجلس تأيدا لمنع الخمور بالبلاد. و طبعا الاستجوابان لعبدالله المشاري الروضان و الشيخ جابر العلي ازعجاه. الشيخ عبدالله كان يؤيد استجواب الوزراء ولكن على مبادئ فكرية لا امور ادارية تافه.
و في افتتاح مجلس الامة للدور الثالث للفصل الاول يبدو ان صبر الشيخ عبدالله السالم بدأ ينفذ. فعندما كان يلقي النص السامي كرر ثلاث مرات مناشدة المجلس لزيادة التعاون مع الحكومة. و عندما هم أعضاء المجلس لوداع سموه، كسر الشيخ عبدالله السالم العرف و كرر ثلاث مرات بيت الشعر العربي
تهدى الامور بأهل الرأي ما صلحت
و أن تولت فبالأشرار تنقادُ
قد يتساءل البعض ما الهدف من هذه المقالة؟ الغاء الديموقراطية؟ طبعا لا!
لو كان هناك تريث لاستفدنا ببعض التعديلات على الدستور. على سبيل المثال أداة الاستجواب الغيت في دساتير فرنسا و بلجيكا. و النواب مشاري العنجري و علي الراشد كانت لهم الشجاعة الفكرية بالتصريح بأن اللائحة الداخلية و الدستور بحاجة للتعديل.
و اخيرا علينا ان نعترف بأن امكانية الحكم القسري غير ممكنه في عصرنا الحالي. فنحن نعيش بعصر المعلومات و التواصل، عصر يصعب به حجر الافكار. تطورات تكنولوجية زادت قدرة الفرد على تحدي الدول العظمى. و على سبيل المثال العسكري تشيلسي اليزابيث مانينج ( برادلي مانينج سابقا ) الذي افشى اسرار البنتاجون و جزء من اسرار الكويت و بين كيف ان الشيخ احمد خالد الحمد لم يفشي الاخبار الكويتية للأمريكان بينما الاخرون افشوها. و هناك ادوارد سنودن الذي فضح الولايات المتحدة الامريكية بتجسسها على أقرب حلفائها. و في العالم العربي هناك وائل غنيم و دور حسابه في فيسبوك بالنسبة للربيع العربي.
لذلك علينا ان ننهج حلم عبدالله السالم، ولكن هذه المرة ننهجه بواقعية و اصرار و شفافية. على الجميع الاصرار على الهوية الكويتية و رفعها عن المهاترات السياسية. لنرحب بمن لفا الينا و عليه أن يلتزم بقيمنا. و لتكن لنا حكمة مما تمناه الشيخ عبدالله من مجلس الامة و تمناه للكويت.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
للشاعر: صلاءة بن عمرو بن مالك