هوية الحكم بالكويت: نوعية السلطة التنفيذية الجزء الاول

  و بعد العمل بالدستور نشأ التنافس للأستحواذ على السلطة التنفيذية. طبقة التجار بقيادة آل زايد  كانوا يرون بأن الاستحواذ على السلطة التنفيذية امتداد للمكاسب التي حصلوا عليها من الدستور. و شباب أسرة الصباح يرون بأن هذا تعدي على صلاحياتهم التاريخية. و جاء الاستفسار العجيب. كان الفوز من نصيب شباب الصباح. ولكن ما نتيجة الفوز؟هل حقق المصلحة التاريخية للبلاد؟
  قبل ان أبدأ اود ان اشارك القراء بحادثتين. الاولى في عام 1970. انا  و اخي دعيج ذهبنا مع الوالد الى المنزل الربيعي للمؤرخ سيف الشملان. كان متواجد هناك الكثير من زعماء المعارضة. اذكر منهم المرحوم جاسم القطامي و المرحوم عبدالله زكريا و الله يطيل بعمره السيد يعقوب الحميضي. و كان الحوار بينهم و بين الوالد يدور على فكرة المدينة الفاضلة كما جاءت بكتاب الجمهورية  لأفلاطون و الديموقراطية الاثينية. و بعد ان هدأ الحوار سئلنا الوالد عن رأينا. و انطلق الاخ الدعيج فبين لهم بأن فكرة المدينة الفاضلة فاشلة. و انه لم تكن هناك ديموقراطية بمفهومنا الحالي في اثينا بل كانت اوليجاركية. و القومية التي تتشدقون بها، ما هي الا فكرة اوروبية لا تنطبق علينا. ضحك جاسم القطامي و سئل الوالد من وين جبتهم بو علي.
  الحادثة الثانية كانت منذ حوالي عشر سنوات. زرت كالعادة السيد يعقوب الحميضي. و اذا بي اراه يقرأ The Crusades Through Arab Eyes by Amin Maalouf. و اخذ يمدح الكتاب و ينصحني بقراءته.
  طبقة التجار القديمة لا يزال لها فكر شكيم. اثقف الناس فكريا. كانوا يرون العلم و الثروة وجهان لنفس العملة. عندما تحدثوا عن المدينة الفاضلة و الديموقراطية الاثينية كانوا ذو قصد. يريدون ان يقنعوا الوالد بأنهم انسب لقيادة الجهاز التنفيذي.
  و بعد ان يستحوذوا على الجهاز التنفيذي يكملوا مخططهم للاستحواذ على الثروة النفطية. اسسوا البنك الوطني بديلا للبنك البريطاني للشرق الاوسط. و اسسوا شركة البترول الوطنية بديلا لشركة نفط الكويت. طبعا تحت شعار الديموقراطية و القومية العربية. و الان في وقتنا الحالي مع القيادة الزايدية لغرفة التجارة و مجلس الامة و بعض من الوزراء التابعين لهم نرى مثل هذا التوجه من خلال مشاريع مشاركة القطاع الخاص و ال BOT. و قد تتطور  لتستحوذ على رئاسة الوزارات.
  و عندما بدأ العمل بالدستور أضطر المرحوم الشيخ عبدالله السالم ان يعين رئيسا للوزراء بديلا عنه. طبعا لم يجد مفرا من ان يعين المرحوم الشيخ صباح السالم. بما انه إئتمنه ليكون ولي عهده الاجدر ان ان يأتمنه على رئاسة الجهاز التنفيذي بدلا عنه. تقليد اصبح كالطوق برقبة كل حاكم اتى بعد عبدالله السالم. حتى ان كسره الشيخ صباح الاحمد. و لا يزال مفكري أسرة الصباح يتساءلون ايهما انسب، دمج ولاية العهد و رئاسة الوزارة ام لا؟
  و مع مطلع اول حكومة استمرت طبقة التجار بتوجهها للإستحواذ على الحكم و ذلك من اخضاع السلطة التنفيذية لها. و كان سلاحها استجواب الوزراء. فالمادة 100 من الدستور تتيح لأي نائب ان يقدم إستجواب لأي من الوزراء. و بعد بعض الاجراءات قد  تسحب الثقة من الوزير المستجوب و يقال من الحكومة. و لو نظرنا الى هذه المادة بتمعن نجد انها تحديا صارخا  لصلاحيات الامير. ان كان للأمير حق تعيين الوزراء فالنواب لهم حق أقصاء هؤلاء الوزراء. و الوزير الذي يريد البقاء بوزارته عليه ان يستجيب لرغبات النواب. و هذا ما استغله نواب التجار منذ اول حكومة.
  اول محاولة كانت ضد عبدالله الروضان وزير الشؤون. استكفى، مقدم الاستجواب، النائب محمد الرشيد بالبيان الذي القاه الوزير. ولكن هل هذا فقط ما كفاه؟ هل كانت هناك صفقات معينة؟ هل هدد عبدالله الروضان بقية نواب التجار بأنه سيثأر لنفسه. فهو ايضا من طبقة التجار. ولكن على أيا من الاحوال  كانت النتيجة  مرضية لنواب التجار.
  ثم توجهوا الى المحاولة الكبرى.  الشيخ  جابر العلي الصباح.  ابن اخ الامير و أكثر شباب الأسرة   مشاكسة للنواب التجار في المجلس التأسيسي. و كادوا ان يطيحوا به. فخلال الاستجواب اخذ احد النواب قليلي الادب يقاطع الشيخ جابر اثناء إلقاءه البيان. مما أثار اعصابة و لم يقدر ان يكمل قراءة البيان. فهب لنصرته المشاكس رقم 2 الشيخ سعد و اكمل قراءة البيان. بعد ذلك استعاد الشيخ جابر جأشه و دحض الاستجواب من خلال مناورته الفكرية و القبلية و الاقليمية. ولكن بقى سيف الاستجواب مسلولا على رقبة كل وزير.
  و في شهر ديسمبر 1964 شكل الشيخ صباح السالم حكومته الثانية. و كالعادة كان بها بعض من جهابذة التجار. انتبه شباب أسرة الصباح بقيادة الشيخ جابر العلي لهذه الفرصة السانحة. فوجود تجار بالحكومة  يتعارض مع المادة 131 من الدستور. كان ممكن ان تتم بعض التسويات ولكن هدف شباب الاسرة كان اقصاء التجار من الحكومة  و يفضل المجلس ايضا. و من خلال مناورات نيابية سقطت ما سمي بحكومة التجار. و بوجهة نظري أخطاء التجار عندما قدموا لاستقالة الجماعية من مجلس الامة عام 1965. فالنظام الديموقراطي مبني على الحوار و ليس القطعية.
  و في المجلس اللاحق  جاء الاستفسار العجيب. في احدى الجلسات وقف احد نواب المناطق الخارجية و اخذ يشكو وزارة الاشغال و وزارة الداخلية. ضاعت معزته. فذهب الى المخفر يسئل عنها. الشرطة بالمخفر لم يعرفوا شيئا عنها. و اخيرا وجدها قد وقعت في احدى المجاري التي لم تغطيها وزارة الاشغال. و اخذ يكيل الاتهام بالتقصير للوزارتين. انتقدته الصحافة و طبقة التجار لتفاهة الطرح. ولكنه كانت لديه الشجاعة الفكرية للإصرار على رأيه. و اخيرا اصبحت المعزة و خدمات الناخبين و نواب الخدمات جزء من جمهورية افلاطون. و خير من يعرف بهذه الامور هم شباب الاسرة و جل من يجهلها هم طبقة التجار.
  و بعد ان استعاد شباب اسرة الصباح السيطرة  على السلطة التنفيذية ماذا استفاد المجتمع؟ عدى عدم  الشعور بالنقص لناخبي المناطق الخارجية لم يكن هناك  الكثير من النتائج السياسية الايجابية. بل هناك الكثير من النتائج السلبية.

 

هذا المنشور نشر في Uncategorized. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s